فصل: الأحكام الشرعية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام



.الأحكام الشرعية:

الحكم الأول: ما المراد بالسفهاء في الآية الكريمة؟
اختلف المفسرون في المراد بالسفهاء في الآية الكريمة، فقال بعضهم: المراد به الصبيان والأولاد الصغار الذين لم يكتمل رشدهم وهو منقول عن الزهري وابن زيد.
وقال بعضهم: المراد به النساء المسرفات سواءً كنّ أزواجاً أو أمهات أو بنات وهو منقول عن مجاهد والضحاك. وقيل: المراد به النساء والصبيان وهو قول الحسن وقتادة وابن عباس.
وقال آخرون: المراد بالسفهاء كل من لم يكن له عقل يفي بحفظ المال، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام وكل من كان موصوفاً بهذه الصفة، وهذا القول أصح وهو اختيار الطبري لأن اللفظ عام والتخصيص بغير دليل لا يجوز.
قال الطبري: إن الله جل ثناؤه عمّم، فلم يخص سفيهاً دون سفيه، فغير جائز لأحد أن يؤتي سفيهاً ماله، صبياً صغيراً كان، أو رجلاً كبيراً، ذكراً كان أو أنثى، والسفيه الذي لا يجوز لوليه أن يؤتيه ماله، هو المستحق الحجر بتضييعه ماله، وفساده وإفساده، وسوء تدبيره.
الحكم الثاني: هل يحجر على السفيه؟
استدل الفقهاء بهذه الآية الكريمة على وجوب (الحجر على السفيه) لأنّ الله تعالى نهانا عن تسليم السفهاء أموالهم حتى نأنس منهم الرشد، ويبلغوا سنّ الاحتلام.
والحجر على أنواع: فتارة يكون (الحجر للصغر) فإن الصغر قاصر النظر مسلوب العبارة.
وتارة يكون (الحجر للجنون) فإن المجنون فاقد الأهلية في العقود لعدم العقل.
وتارة يكون (الحجر للسفه) كالذي يبذّر المال، أو يسيء التصرف في ماله لنقض عقله ودينه.
وتارة يكون (الحجر للإفلاس) كالذي تحيط الديون به ويضيق ماله عن وفائها، فإذا سأل الغرماء الحاكم الحجر عليه حجر عليه، فكل هؤلاء يحجر عليهم للأسباب التي ذكرناها.
وقد اتفق الفقهاء على أن الصغير لا يدفع إليه ماله حتى يبلغ سنّ الاحتلام، ويؤنس منه الرشد لقوله تعالى: {وابتلوا اليتامى حتى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً فادفعوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فقد شرطت الآية شرطين: الأول: البلوغ، والثاني: الرشد وهو حسن التصرف في المال، وقال الشافعي: لا بدّ أن ينضم الصلاح في الدين، مع حسن الصلاح في المال، فالفاسق يحجر عليه عند الشافعي خلافاً لأبي حنيفة.
وسبب الخلاف يرجع إلى معنى (الرشد) وقد نقل ابن جرير أقوال السلف في تفسير الرشد كقول مجاهد هو (العقل) وقول قتادة هو الصلاح في (العقل والدين) وقول ابن عباس هو (الصلاح في الأموال) ثم قال: وأولى هذه الأقوال عندي في معنى الرشد (العقل وإصلاح المال) لإجماع الجميع على أنه إذا كان كذلك لم يكن ممن يستحق الحجر عليه في ماله، وحوز ما في يده عنه وإن كان فاجراً في دينه.
أقول: ليس كل فاسق يحجر عليه لأن في الحجر إهداراً للكرامة الإنسانية، وإنما يقال: إذا كان فسقه ممّا يتناول الأموال المالية، كإتلاف المال بالإسراف في الخمور والفجور وجب الحجر عليه، وإن كان يتعلق بأمر الدين خاصة كالفطر في رمضان مثلاً فلا يجب الحجر، وهذا هو نفس ما رجحه شيخ المفسرين الطبري وأرشدت إليه الآية الكريمة بطريق الإشارة، حيث جاء لفظ الرشد منكّراً، {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً} أي نوعاً من الرشد وهو حسن التصرف في أمور المال، ولم يأت معرفاً والمقصود الأكبر في هذا الباب إنما هو الرشد الذي ينافي الإسراف في المال، فما اختاره ابن جرير قوي من هذه الوجهة والله أعلم.
الحكم الثالث: هل يحجر على الكبير؟
ذهب جمهور العلماء إلى أن الكبير يحجر عليه كما يحجر على الصغير إذا كان سفيهاً.
وذهب أبو حنيفة إلى أن من بلغ خمساً وعشرين سنة سلّم له ماله سواءً كان رشيداً أو غير رشيد.
قال العلامة القرطبي: واختلفوا في الحجر على الكبير، فقال مالك وجمهور الفقهاء يحجر عليه، وقال أبو حنيفة: لا يحجر على من بلغ عاقلاً إلاّ أن يكون مفسداً لماله، فإذا كان كذلك منع من تسليم المال إليه حتى يبلغ خمساً وعشرين سنة، فإذا بلغها سلم إليه بكل حال، سواء كان مفسداً أو غير مفسد لأنه يصير جَدّاً، وأنا أستحيي أن أحجر على من يصلح أن يكون جداً.
أقول: الصحيح ما ذهب إليه الجمهور، وهو مذهب الصاحبين (أبي يوسف ومحمد) أيضاً، ولا عبرة بكبر السن فرب رجل يبلغ الخمسين من العمر وهو سفيه الحلم يسرف ماله ويبذره فيجب الحجر عليه، وذلك أن الصبي إنما منع من ماله لفقد العقل الهادي إلى حفظ المال، وكيفية الانتفاع به، فإذا كان هذا المعنى قائماً بالشيخ والشاب، كانا في حكم الصبي فوجب أن يمنع دفع المال إليه ما لم يؤنس منه الرشد لظاهر الآية الكريمة.
وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إن الرجل لتنبت لحيته ويشيب وإنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فيها).
الحكم الرابع: هل يباح للوصي أن يأكل من مال اليتيم؟
دلّ قوله تعالى: {وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف} على أن للوصي أن يأكل من مال اليتيم إذا كان فقيراً بمقدار الحاجة من غير إسراف، وإذا كان غنياً وجب عليه أن يتعفف عن مال اليتيم، ويقنع بما رزقه الله من الغنى، وقد اتفق العلماء على جواز أخذ قدر الكفاية بالمعروف عند الحاجة واختلفوا هل عليه الضمان إذا أيسر؟
فذهب بعضهم إلى أنه لا ضمان عليه لأن الله تعالى أباح له الأكل بالمعروف فكان هذا مثل الأجرة، وهذا مروي عن الإمام أحمد رحمه الله.
وذهب آخرون إلى وجوب الضمان واستدلوا بما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (ألا إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة الولي من مال اليتيم، إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف، فإذا أيسرتُ قضيت).
وقال الحنفية فيما رواه الجصاص عنهم أنه لا يأخذ على سبيل القرض، ولا على سبيل الابتداء سواءً كان غنياً أو فقيراً، واحتجوا بعموم الآيات {وَآتُواْ اليتامى أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2]، {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى}، {وَأَن تَقُومُواْ لليتامى بالقسط} [النساء: 127] {وَلاَ تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل} [البقرة: 188].
قال الجصاص فهذه محكم حاصرة لمال اليتيم على وصيّه، وقوله: {وَمَن كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بالمعروف} متشابه محتمل فوجب رده إلى تلك المحكمات.
وروي عن ابن عباس أنه قال: {وَمَن كَانَ فَقِيراً} الآية نسختها {إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً} إلخ.
الترجيح: وقد جرح الطبري القول الأول وهو جواز الأخذ على وجه الاستقراض حيث قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: {فَلْيَأْكُلْ بالمعروف} المراد أكل مال التيم عند الضرورة والحاجة إليه، على وجه الاستقراض منه فأما على غير ذلك الوجه فغير جائز له أكله.
أقول: ولعلَّ هذا القول أرجح، لأنه جمع بين النصوص والله أعلم.

.ما ترشد إليه الآيات الكريمة:

1- وجوب الحجر على السفهاء حتى يتبيّن رشدهم وإصلاحهم للأموال.
2- الانفاق على المحجور عليه بالطعام والكسوة وسائر وجوه الإنفاق.
3- اختبار حال الأيتام عند البلوغ قبل تسليمهم المال لمعرفة دلائل الرشد.
4- ضرورة الإشهاد عند تسليم اليتامى أموالهم خشية الجحود والإنكار.
5- تقرير الإسلام لمبدأ الميراث وجعله حقاً للذكور والإناث في مال الأقرباء.
6- وجوب الإحسان إلى اليتامى والخشية عليهم كما يخشى الإنسان على أولاده من بعده.
7- الإعتداء على أموال اليتامى من الكبائر التي توجب عذاب النار.

.تفسير الآيات (19- 24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (21) وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
[3] المحرمات من النساء:

.التحليل اللفظي:

{كَرْهاً}: الكَره بفتح الكاف بمعنى الإكراه يقال: افعل هذا طوعاً أو كَرْهاً، وبضم الكاف (كُرْهاً) بمعنى المشقة قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً} [الأحقاف: 15].
قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد.
وقال الفراء: الكَرْهُ بالفتح الإكراه، وبالضم المشقة، فما أكره عليه فهو (كَرْه) بالفتح، وما كان من قبل نفسه فهو (كُره) بالضم.
{تَعْضُلُوهُنَّ}: العضل في اللغة: المنع ومنه الداء العضال، وقد تقدم بيانه بالتفصيل.
{قِنْطَاراً}: القنطار المال الكثير، وهو تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة.
{بُهْتَاناً}: البهتانُ الكذب الذي يتحير منه صاحبه ثم صار يطلق على الباطل.
{أفضى}: أي وصل، وأصله من الفضاء الذي هو السعة.
قال في (اللسان): وأفضى فلان إلى فلان وصل إليه، وأصله أنه صار في فرجته وفضائه، والفضاء المكان الواسع من الأرض.
وقال الجوهري: أفضى الرجل إلى امرأته باشرها وجامعها وقال الفراء: الإفضاء الخلوة وإن لم يجامعها.
قال ابن عباس: الإفضاء في هذه الآية الجماع ولكنّ الله كريم يكني.
{مِّيثَاقاً غَلِيظاً}: أي عهداً شديداً مؤكداً، وهو عقد النكاح الذي ربط الزوجين برباط شرعي مقدس.
{سَلَفَ}: أي مضى وانقضى، والسلفُ من تقدم من الآباء وذوي القربى.
{فَاحِشَةً}: الفاحشة في اللغة: النهاية في القبح سميت فاحشة لأنها تناهت في القبح والشناعة.
{وَمَقْتاً}: أصل المقت: البغضُ من مقته إذا أبغضه.
قال الراغب: المقت البغض الشديد لمن تعاطى القبح، وكان يسمى تزوجُ الرجل امرأة أبيه (نكاح المقت).
{وَرَبَائِبُكُمُ}: جمع ربيبة وهي بنت المرأة من زوج آخر، سميت بذلك لأنها تتربى في حجر الزوج فهي مربوبة، فعيلة بمعنى (مفعولة).
قال الرازي: الربيبة بنت امرأة الزوج من غيره ومعناها مربوبة لأن الرجل هو الذي يقوم بتربيتها.
{حُجُورِكُمْ}: الحَجِرّ بالفتح والكسر: الحضن وهو مكان ما يحجره الإنسان ويحوطه بين عضديه وساعديه، ويقال فلان في حَجْر فلان أي في كنفه ورعايته وفي تربيته، والسبب في هذه الاستعارة أنّ كل من ربي طفلاً أجلسه في حجره، فصار الحجر عبارة عن التربية كما يقال: فلان في حضانة فلان، وأصله من الحضن.
{دَخَلْتُمْ بِهِنَّ}: قال في (القاموس): ودخل بامرأته كناية عن الجماع، وغلب استعماله في الوطء الحلال، والمرأة مدخول بها، ومنه الدخلة ليلة الزفاف.
{وحلائل}: أي زوجات جمع حليلة سميت بذلك لأنها تحل لزوجها ويحل لها فكلٌ منهما حلال للآخر، ويقال للزوج: حليل.
{والمحصنات}: يعني ذوات الأزواج، وأصل الإحصان في اللغة المنع، والحَصَان بالفتح المرأة العفيفة قال تعالى: {والتي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [الأنبياء: 91] وستأتي معاني الإحصان في سورة النور إن شاء الله.
{مُّحْصِنِينَ}: أي متعففين عن الزنى.
{مسافحين}: السفاح والمسافحة الفجور، وأصله في اللغة من السفح وهو الصب، قال تعالى: {أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً} [الأنعام: 145] ويقال: فلان سفّاح أي سفاك للدماء، وسمى الزنى سفاحاً لأنه لا غرض للزاني إلا سفح النطفة.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: يا أيها المؤمنون لا يحل لكم أن ترثوا نكاح النساء على كره منهن، ولا أن تمنعوهن من الزواج بعد تطليقكم لهن، أو تضيقوا عليهن حتى تذهبوا ببعض ما آتيتموهن من ميراث أو صداق، إلاّ إذا أتين بفاحشة من الفواحش كالبذاءة باللسان، والنشوز على الزوج، والوقوع في المنكرات كالزنى وغيره فلكم حينئذٍ أن تعضلوهن حتى يفتدين أنفسهن منكم، لأن الله لا يحب الظلم أياً كان مصدره. ثم أمر تعالى بحسن الصحبة والمعاشرة للأزواج بالمعروف، فإذا كره الرجل زوجته فليصبر عليها، وليستمرّ في إحسانه إليها، فعسى أن يرزقه الله منها ولداً تقر به عينه، وعسى أن يكون في هذا الشيء المكروه الخير الكثير، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
وإن أردتم أيها المؤمنون نكاح امرأة مكان امرأة طلقتموها، وكنتم قد أعطيتم المطلّقة مهراً كبيراً يبلغ قنطاراً، فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه ظلماً وعدواناً؟ وكيف يباح لكم أخذه وقد استمتعتم بهن بالمعاشرة الزوجية، وبالاتصال الجنسي (الجماع) واستحللتم فروجهن بكلمة الله (عقد النكاح) فكيف تأخذون ما دفعتم لهن من المهور بعد هذا الميثاق؟ ثم بين تعالى ما يحرم على الرجال نكاحهن من المحارم، وهنّ (المحرمات من النساء) فبدأ بحلائل الآباء، وأبطل ما كان العرب يفعلونه في جاهليتهم من نكاح الولد لزوجة أبيه، لأنه أمر قبيح قد تناهى في القبح والشناعة، وبلغ الذروة العليا في الفظاعة والبشاعة، إذ كيف يليق بالإنسان أن يتزوج امرأة أبيه وأن يعلوها بعد وفاته وهي مثل أمه؟ ثم عدّد تعالى المحرمات بالنسب وهن (الأمهات، والبنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وبنات الأخ، وبنات الأخت) والمحرمات من الرضاعة وذكر منهن (الأمهات والأخوات) والمحرمات بالمصاهرة وهن (أم الزوجة، وبنت الزوجة، وزوجة الابن، والجمع بين الأختين) وأحل ما سوى ذلك من النساء كما سنوضحه بالتفصيل عند ذكر الأحكام إن شاء الله تعالى.
في الآيات السابقة من أول سورة النساء نهى الله جل ثناؤه عن كثير من عادات الجاهلية في أمر اليتامى والأموال ونكاح اليتيمات من غير صداق، وعن الظلم الذي كانو عليه في أمر الميراث حيث كانوا يحرمون المرأة والصغير من الميراث بحجة أن هؤلاء لا يستطيعون الذود عن العشيرة، ولا حمل السلاح إلى آخر ما هنالك من مظالم اجتماعية، وقد جاءت هذه الآيات الكريمة لبيان نوع آخر من الظلم كانت تتعرض له النساء في الجاهلية وهو اعتبارهن كالمتاع ينتقل بالإرث من إنسان إلى آخر، فقد كانوا يرثون زوجة من يموت منهم كما يرثون ماله، فحرّم الله ذلك وأمر بإحسان معاشرتهن وصحبتهن، ودعا إلى إنصافهن من ذلك الظلم الصارخ والعدوان المبين.